هل يفكّر قيس سعيد في تكوين حزب سياسي ؟ ‏

لا شك في ان قيس سعيد ادرك اخيرا ان مسيرته السياسية لايمكن  بل مم المستحيل ان تتواصل اذا لم يؤسس حزبا بامكانه ضمان تنفيذ اي مشروع يريد تنفيذه في ظل تخلي الطبقة السياسية المتواجدة الان عليه.



و يمكن الجزم ان الاستاذ المتخصص في القانون الدستوري (قيس سعيد) و  الذي يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال يعلم جيدا ان الفكر الدستوري في تونس له تاريخ وبامكان المفكر السياسي بناء مشروع انطلاقا من الفكر التونسي و المعروف سياسيا بالفكر الدستوري الذي يعتبر امتدادا للفكر الاصلاحي التونسي .


وقد  واكب قيس سعيد الثورة التونسية وله مقولة شهيرة رددها كثيرا وهي ان الثورة تم اجهاضها يوم 14جانفي وهذا دليل على انه مقتنع بانه يمكن البناء انطلاقا من الوضع السياسي الذي اقترن بتلك الفترة الزمنية خاصة بعد فشل المشاريع السياسية التونسية منذ2011 و منها المشروع الاخواني الذي تلقى هزيمة قاسية مؤخرا و قد فقد بالفعل الكثير من شعبيته و نفوذه.



ومنذ اندلاع شرارة  "الربيع العربي"، انخرط  عديد الافراد المتعطشين للحرية  في هذه الموجة بكل عفوية، مرددين شعارات هي أقرب إلى معتقدات العرق والدين وبالتالي لم يكن مفاجئاً رفع شعارات إسلامية تتلائم  مع شخصية بعض  المجتمعات الإسلامية.


و غالباً ما يتم السطو  على هذه الجماهير العفوية  من طرف تيارات سياسية أو دينية من أجل الركوب على أشكالها النضالية وتوجيهها وفق أجندات خاصة، اتضح لاحقاً، أنّها لم تكن هي الأرضية الأساسية لخروج  الجماهير لأن شعاراتهم ، لم تكن تتحدث عن الإسلاموية او  العلمانية  أو شيء من هذا القبيل، وإنما كانت تطالب أساسا بالحرية والكرامة والتشغيل.


حيث قال عالم النفس فرويد :《ما إن ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقاً. أو قل إنّها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة والقوة》. 


وعلى هذا الاساس  عملت جماعة الإخوان على استغلال خروج الجماهير والتلاقي الإيديولوجي والديني مع توجهاتها العقائدية لوضع إستراتيجية محكّمة للسطو على ثمرات هذا "الربيع" .


وفي البلاد التونسية تم استغلال تخلف  الاعلام التونسي وعلاقة المواطن بالعقيدة الدينية و  تم تقديم الاخوان المسلمين  كرجال دين وهذه مغالطة اعلامية فادحة


اضافة الى خبرة تنظيم الاخوان في استغلال سذاجة الجماهير  فمنذ تأسيس الجماعة سنة 1928م، حرص التنظيم على استغلال حركية الجماهير ومحاولة الركوب على مطالبها وفق أجنداتها السياسية، مستغلة عاطفة الجماهير المشحونة بمجموعة من الانفعالات الوطنية والممزوجة بالعقائد الإيمانية القوية، حيث غالباً ما تكون تعبيراتها الحركية بعيدة كل البعد عن التفكير العقلاني والمنطقي.


وقد تبين أنّ وصول  الإسلام السياسي إلى السلطة في كل من تونس و جمهورية مصر العربية، ونسبياً في المملكة  المغربية ، كشف عن غياب الرؤية الإستراتيجية و الافتقار للبرامج الاقتصادية والتنموية، بالإضافة إلى غياب أي تصور للنظام الذي يمكن أن يحكم العلاقات الدولية، وفق علاقات قوى متوافق عليها بين دول وطنية ذات سيادة معترف بها.


ليتضح جلياً أنّ الوصول إلى الحكم أو ما يصطلح عليه في الأدبيات الإخوانية بمرحلة "السيطرة التمكين" هي الغاية الوحيدة في حد ذاتها وليست وسيلة ، لان الخلافة وسيطرة رجال الدين هي اخر المراحل و في حال لم يحصل ذاك  فان"التمكين"  يكفيهم .


وتهدف إستراتيجية تنظيمات الإسلام السياسي، الممثلة أساساً في جماعة الإخوان المسلمين الى توحيد التنظيمات الإخوانية المنطوية تحت لواء التنظيم الدولي للإخوان للوصول إلى ما أطلق عليه البنّا بـ"أستاذية العالم".




ولعل  وصول  "الاسلام السياسي" إلى الحكم   سيعد اعلان رسمي على بداية سقوط عقيدة ما يسمى ب "الخلافة"، لمجموعة من الاعتبارات الذاتية والموضوعية يمكن إجمالها في نقطتين رئيسيتين:

ترتبط النقطة الاولى بتفطن جميع الأنظمة التي لم ينجح فيها الإخوان في الوصول إلى السلطة، وذلك لمعرفتها المسبقة بتكتيكات هذه الجماعات "الحربائية" التي تعتمد على ابرام التحالفات مع السلط السياسية على اساس "المصالح المشتركة"  للوصول الى دكة الحكم في اخر المطاف.


وفي الاثناء اتخاذ سياسة الانتشار الجماهيري" البطيء "
واختراق تدريجي لمؤسسات الدولة قصد التحكم و التمكن من مفاصل الدولة وبالتالي الانفراد بالقرار السيادي للدولة، كما هو الحال في بعض دول منطقة  الخليج.



وتكمن النقطة الثانية  بفشل المشروع السياسي الاخواني في طرح حلول واقعية و أجوبة  للمصاعب اليومية التي يغيشها افراد المجتمع فهي عاجزة كل العجز على إحداث نهضة اقتصادية رغم تواجدها في السلطة لعقد من الزمن مرتبطة بفشل المشروع الإخواني في تقديم أجوبة وحلول واقعية للمشاكل اليومية للمواطن العربي، حيث تكشف  بالملموس ان هذه التنظيمات لا تقدر على  حمل أعباء الحكم، فسقطت في مأزق "جاذبية الكرسي"، في ظل غياب البديل السياسي القادر على تغيير الاوضاع داخل البلاد  .



ولعل قيس سعيد قد ادرك الان ان جزءا كبيرا من المسؤولية لابد من  ان يتحمله هو باعتباره رئيس الجمهورية والقائد الاعلى للقوات المسلحة و الضامن الاول  لإسقرار و إستمرارية الدولة هذا العبء الكبير قد يجره الى تكوين حزب سياسي داعم لقراراته و سياساته المستقبلية و لما لا قد يكون هو البديل للنظام الإخواني الذي فشل في تسيير الدولة لسنوات وحان الوقت للمضي قدما نحو مستقبل اخر  بعيدا عن حركة النهضة و حلفاءها.

تأسيس قيس سعيد لحزب سياسي سيعزز مخاوف النهضة التي تعي جيدا بحجم شعبية الرئيس قيس سعيد و بدرته الفائقة  على جمع الاغلبية من التونسيين الذين يؤمنون بانه لا ولاء الا لتونس ويرفضون المدارس السياسية الاخرى .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان

محتوى مدفوع